فصل: باب اسْتِقْرَاضِ الإِبِلِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح صحيح البخاري لابن بطال ***


باب اسْتِقْرَاضِ الإِبِلِ

- فيه‏:‏ أَبُو هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَجُلاً تَقَاضَى النَّبِىّ عليه السَّلام فَأَغْلَظَ لَهُ فَهَمَّ بِهِ أَصْحَابُهُ، فَقَالَ‏:‏ دَعُوهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالاً وَاشْتَرُوا لَهُ بَعِيرًا، فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ، قَالُوا‏:‏ لاَ نَجِدُ إِلاَ أَفْضَلَ مِنْ سِنِّهِ، قَالَ‏:‏ ‏(‏اشْتَرُوهُ، فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ فَإِنَّ خَيْرَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً‏)‏‏.‏

وترجم له ‏(‏باب هل يعطى أكبر من سنه، وباب حسن القضاء‏)‏‏.‏

اختلف العلماء فى استقراض الحيوان فأجاز ذلك مالك والشافعى وأحمد وإسحاق، واحتجوا بهذا الحديث، ولا يحل عند مالك وأهل المدينة استقراض الإماء؛ لأن ذلك ذريعة إلى استحلال الفرج‏.‏

ومنع ذلك الكوفيون وقالوا‏:‏ لا يجوز استقراض الحيوان؛ لأن وجود مثله متعذر غير موقوف عليه، وقالوا‏:‏ يحتمل أن يكون حديث أبى هريرة قبل تحريم الربا، ثم حرم الربا بعد ذلك، وحرم كل قرض جر منفعة، وردت الأشياء المستقرضة إلى أمثالها، فلم يجز القرض إلا فيما له مثل‏.‏

وحجة من أجاز ذلك قالوا‏:‏ محال أن يستقرض النبى شيئًا لا يقدر على أداء مثله، ولا يضبط ذلك بصفة، ولو لم يكن له إلى رد مثله سبيل لم يستقرضها؛ إذ كان عليه السلام أبعد الخلق من ظلم أحد‏.‏

واحتج مالك لتفريقه بين الإماء وجميع الحيوان فقال‏:‏ قد أحاط الله ورسوله والمسلمون الفروج، فجعل المرأة لا تنكح إلا بولى وشهود، ونهى النبى أن يخلو بها رجل فى حضر أو سفر، ولم يحرم ذلك فى شىء مما أحل غيرها، فجعل الأموال مرهونة ومبيعة بغير بينة، ولم يجعل المرأة هكذا حتى حاطها فيما حللها بالولى والشهود ففرقنا بين حكم الفروج وغيرها بما فرق الله ورسوله والمسلمون بينها‏.‏

وقال أهل المقالة الأولى‏:‏ و أيضًا فإنه يجوز أن يرد أفضل مما استلف إذا لم يشرط ذلك عليه؛ لأن الزيادة فى ذلك من باب المعروف، استدلالا بحديث أبى هريرة، وهو قول ابن عمر وابن المسيب والنخعى والشعبى وعطاء، وبه قال الثورى والشافعى وأحمد وإسحاق وجماعة‏.‏

واختلف أصحاب مالك فى ذلك، فقال ابن حبيب‏:‏ لا بأس أن يرد أفضل مما اسقرض فى العدد والجود؛ لأن الآثار جاءت بأن النبى- عليه السلام- رد أكثر عددًا فى طعام‏.‏

وأجاز أشهب أن يزيده فى العدد إذا طابت نفسه بذلك‏.‏

وقال ابن نافع‏:‏ لا بأس أن يعطى أكثر عددًا إذا لم يكن ذلك عادة‏.‏

وقال مالك‏:‏ لا يجوز أن يكون بزيادة فى العدد، وإنما يصلح أن تكون فى الجودة‏.‏

وقال ابن القاسم‏:‏ لا يعجبنى أن يعطيه أكثر فى العدد ولا فى الذهب والورق إلا اليسير مثل الرجحان فى الوزن والكيل، ولو زاد بعد ذلك لم يكن به بأس‏.‏

وهو قول مالك، وإنما لم يجز أن يشترط أن يأخذ أفضل؛ لأنه يخرج من باب المعروف ويصير ربا، ولا خلاف بين العلماء أن اشتراط الزيادة فى ذلك ربا لا يحل‏.‏

باب حُسْنِ التَّقَاضِي

- فيه‏:‏ حُذَيْفَةَ، قَالَ النَّبِىّ عليه السَّلام‏:‏ ‏(‏مَاتَ رَجُلٌ، فَقِيلَ لَهُ، فَقَالَ‏:‏ كُنْتُ أُبَايِعُ النَّاسَ فَأُخَفِّفُ عَنِ الْمُوسِرِ، وَأَتَجَوَّزُ عَنِ الْمُعْسِرِ، فَغُفِرَ لَهُ‏)‏، قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ‏:‏ سَمِعْتُهُ مِنَ النَّبِىِّ عليه السَّلام‏.‏

قال المؤلف‏:‏ فى هذا الحديث ترغيب عظيم فى حسن التقاضى، وان ذلك مما يدخل الله به الجنة، وهذا المعنى نظير قوله‏:‏ ‏(‏خيركم أحسنكم قضاء‏)‏، فجاء الترغيب فى كلا الوجهين فى حسن التقاضى لرب الدين وفى حسن القضاء للذى عليه الدين، كل قد رغب فى الأخذ بأرفع الأحوال، وترك المشاحة فى القضاء والاقتضاء، واستعمال مكارم الأخلاق فى البيع والشراء والأخذ والإعطاء، وقد جاء هذا كله فى حديث جابر أن النبى- عليه السلام- قال‏:‏ ‏(‏رحم الله رجلا سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى‏)‏‏.‏

ذكره فى أول كتاب البيوع‏.‏

باب إِذَا قَضَى دُونَ حَقِّهِ أَوْ حَلَّلَهُ فَهُوَ جَائِزٌ

- فيه‏:‏ جَابِر، أَنَّ أَبَاهُ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَاشْتَدَّ الْغُرَمَاءُ فِى حُقُوقِهِمْ، فَأَتَيْتُ النَّبِىَّ عليه السَّلام فَسَأَلَهُمْ أَنْ يَقْبَلُوا تَمْرَ حَائِطِى، وَيُحَلِّلُوا أَبِى، فَأَبَوْا، فَلَمْ يُعْطِهِمُ النَّبِىُّ عليه السَّلام حَائِطِى، وَقَالَ‏:‏ ‏(‏سَنَغْدُو عَلَيْكَ‏)‏، فَغَدَا عَلَيْنَا حِينَ أَصْبَحَ، فَطَافَ فِى النَّخْلِ وَدَعَا فِى ثَمَرِهَا بِالْبَرَكَةِ، فَجَدَدْتُهَا فَقَضَيْتُهُمْ، وَبَقِىَ لَنَا مِنْ تَمْرِهَا‏.‏

وترجم له باب من أخر الغريم إلى الغد أو نحوه ولم ير ذلك مطلا هكذا وقعت هذه الترجمة فى النسخ كلها باب إذا قضى دون حقه أو حلله فهو جائز، والصواب إذا قضى دون حقه وحلله بغير ألف، لأنه لا يجوز أن يقضى رب الدين دون حقه ويسقط مطالبته بباقيه إلا أن حلل منه‏.‏

ولا خلاف بين العلماء أنه لو حلله من جميع الدين أو أبرأ ذمته أنه جائز، فكذلك إذا حلله من بعضه، وأما تأخير الغريم الواحد إلى الغد فهو مرتبط بالعذر، وأما من قدر على الأداء فلا يمطل به؛ لقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏مطل الغنى ظلم‏)‏، وإنما أخر جابر غرماءه رجاء بركة النبى- عليه السلام- لأنه كان وعده أن يمشى معه على التمر ويبارك فيها، فحقق الله رجاءه، وظهرت بركة النبى، وثبتت أعلام نبوته‏.‏

وفيه من الفقه‏:‏ مشى الإمام فى حوائج الناس، واستشفاعه فى الديون، وقد ترجم لذلك‏.‏

باب إِذَا قَاصَّ أَوْ جَازَفَهُ فِى الدَّيْنِ تَمْرًا بِتَمْرٍ أَوْ غَيْرِهِ

- فيه‏:‏ جَابِر، أَنَّ أَبَاهُ تُوُفِّىَ، وَتَرَكَ عَلَيْهِ ثَلاَثِينَ وَسْقًا لِرَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ، فَاسْتَنْظَرَهُ جَابِرٌ، فَأَبَى أَنْ يُنْظِرَهُ، فَكَلَّمَ جَابِرٌ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِيَشْفَعَ لَهُ إِلَيْهِ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَكَلَّمَ الْيَهُودِىَّ لِيَأْخُذَ ثَمَرَ نَخْلِهِ بِالَّذِى لَهُ، فَأَبَى، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم النَّخْلَ فَمَشَى فِيهَا، ثُمَّ قَالَ لِجَابِرٍ‏:‏ ‏(‏جُدَّ لَهُ، فَأَوْفِ لَهُ الَّذِى لَهُ‏)‏، فَجَدَّهُ بَعْدَمَا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَوْفَاهُ ثَلاَثِينَ وَسْقًا، وَفَضَلَتْ لَهُ سَبْعَةَ عَشَرَ وَسْقًا، فَجَاءَ جَابِرٌ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِيُخْبِرَهُ بِالَّذِى كَانَ، فَوَجَدَهُ يُصَلِّى الْعَصْرَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَخْبَرَهُ بِالْفَضْلِ، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏أَخْبِرْ ذَلِكَ ابْنَ الْخَطَّابِ‏)‏، فَذَهَبَ جَابِرٌ إِلَى عُمَرَ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ‏:‏ لَقَدْ عَلِمْتُ حِينَ مَشَى فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيُبَارَكَنَّ فِيهَا‏.‏

قال المؤلف‏:‏ لا يجوز عند العلماء أن يأخذ من له دين من تمر على أحد تمرًا مجازفة فى دينه؛ لأن ذلك من الغرر والمجهول، وذلك حرام فيما أمر فيه بالمماثلة، وإنما يجوز أن يأخذ مجازفة فى حقه أقل من دينه إذا علم ذلك وتجاوز له، وهذا المعنى بين فى حديث جابر، لأن النبى- عليه السلام- حين كلم اليهودى أن يأخذ تمر النخل بالذى على أبى جابر وأبى اليهودى من ذلك، ثبت أن تمر النخل لا يفى بالدين، وأنه أقل مما كان يلزمه غرمه، وقد جاء هذا منصوصًا فى هذا الحديث‏.‏

ذكره فى كتاب الصلح فى باب الصلح بين الغرماء وأصحاب الميراث، وفيه قال‏:‏ ‏(‏فعرضت على غرمائه أن يأخذوا التمر بما عليه فأبوا، ولم يروا أن فيه وفاء‏)‏ وقد يجوز فى باب حسن القضاء أن يزيده من صفته، وإنما تحرم الزيادة بالشرط، وقال فى باب الشفاعة وفى وضع الدين، فأرجف الجمل يقال‏:‏ أرجف البعير إذا أعيا فخر برسنه، ورجف أيضًا‏.‏

باب مَنِ اسْتَعَاذَ مِنَ الدَّيْنِ

- فيه‏:‏ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِىّ عليه السَّلام، كَانَ يَدْعُو فِى الصَّلاَةِ، وَيَقُولُ‏:‏ ‏(‏اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ‏)‏، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ‏:‏ مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مِنَ الْمَغْرَمِ، قَالَ‏:‏ ‏(‏إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ، وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ‏)‏‏.‏

قال المهلب‏:‏ فيه وجوب قطع الذارئع؛ لأنه عليه السلام إنما استعاذ من الدين؛ لأنه ذريعة إلى الكذب، والخلف فى الوعد مع ما يقع المديان تحته من الذلة، وما لصاحب الدين عليه من المقال- والله أعلم- فإن قيل‏:‏ فقد عارض هذا الحديث ما رواه جعفر ابن محمد عن أبيه، عن عبد الله بن جعفر، عن النبى- عليه السلام- أنه قال‏:‏ ‏(‏إن الله مع الدائن حتى يقضى دينه ما لم يكن فيما يكره الله- تعالى‏)‏، وكان عبد الله بن جعفر يقوله لحارثة‏:‏ اذهب فخذ لى بدين، فإنى أكره أن أبيت الليلة إلا والله معى‏.‏

قال الطبرى‏:‏ كلا الخبرين صحيح، وليس فى أحدهما دفع معنى الآخر، فأما قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏إن الله مع الدائن حتى يقضى دينه ما لم يكن فيما يكره الله‏)‏، فهو المستدين فيما لا يكرهه الله، وهو يريد قضاءه، وعنده فى الأغلب ما يؤديه منه فالله تعالى فى عونه على قضائه‏.‏

وأما المغرم الذى استعاذ منه عليه السلام فإنه الدين الذى استدين على أوجه ثلاثة‏:‏ إما فيما يكرهه الله ثم لا يجد سبيلاً إلى قضائه، أو مستدين فيما لا يكرهه الله ولكن لا وجه لقضائه عنده، فهو متعرض لهلاك مال أخيه ومتلف له، أو مستدين له إلى القضاء سبيل غير أنه نوى ترك القضاء وعزم على جحده، فهو عاص لربه ظالم لنفسه، فكل هؤلاء لوعدهم إن وعدوا من استدانوا منه القضاء يخلفون، وفى حديثهم كاذبون لوعدهم‏.‏

وقد صحت الأخبار عنه عليه السلام أنه استدان فى بعض الأحوال، فكان معلومًا بذلك أن الحال التى كره ذلك- عليه السلام- فيها غير الحال التى ترخص لنفسه فيها‏.‏

وقد استدان السلف‏:‏ استدان عمر بن الخطاب وهو خليفة، وقال لما طعن‏:‏ انظروا كم على من الدين، فحسبوه فوجوده ثمانين ألفًا أو أكثر، وكان على الزبير دين عظيم ذكره البخارى‏.‏

فمما ثبت عن النبى- عليه السلام- وعن السلف من استدانتهم الدين مع تكريههم له إلى غيرهم الدليل الواضح على اختلاف الأمر فى ذلك كان على قدر اختلاف حال المدينين‏.‏

باب الصَّلاَةِ عَلَى مَنْ تَرَكَ دَيْنًا

- فيه‏:‏ أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ النَّبِىّ، عليه السَّلام‏:‏ ‏(‏مَنْ تَرَكَ مَالاً فَلِوَرَثَتِهِ وَمَنْ تَرَكَ كَلاً فَإِلَيْنَا‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ الحديث‏.‏

هذا الحديث ناسخ لترك النبى الصلاة على مات وعليه دين، وقد تقدم هذا المعنى مستوعبًا فى كتاب الكفالة فى باب من تكفل عن ميت دينًا، فكرهنا إعادته‏.‏

باب مَطْلُ الْغَنِىِّ ظُلْمٌ

- فيه‏:‏ أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ النَّبِىّ، عليه السَّلام‏:‏ ‏(‏مَطْلُ الْغَنِىِّ ظُلْمٌ‏)‏‏.‏

باب لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالٌ

وَيُذْكَرُ عَنِ النَّبِىِّ عليه السَّلام أَنَّهُ قَالَ‏:‏ ‏(‏لَىُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ، وَعُقُوبَتَهُ‏)‏، قَالَ سُفْيَانُ‏:‏ عِرْضُهُ، أَنْ يَقُولُ‏:‏ مَطَلْنِى، وَعُقُوبَتُهُ‏:‏ الْحَبْسُ‏.‏

- وذكر حديث أَبِى هُرَيْرَةَ، أن النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏(‏دَعُوهُ، فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالاً‏)‏‏.‏

إذا مطله وهو غنى فقد ظلمه، والظلم محرم قليله وكثيره‏.‏

وقال أصبغ وسحنون‏:‏ إذا مطل بدين لم تجز شهادته؛ لأن الرسول سماه ظالمًا‏.‏

وعند غيرهما من العلماء لا تسقط شهادته إلا أن يكون ذلك الأغلب من فعله‏.‏

وفسر الفقهاء قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏لى الواجد يحل عرضه وعقوبته‏)‏ كما فسره سفيان، وهو كقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏لصاحب الحق مقال‏)‏، أى له أن يصفه بالمطل، وقالوا‏:‏ قد جاء فى القرآن مصداق هذا، قال تعالى‏:‏ ‏{‏لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم ‏(‏وهذه الآية نزلت فيمن منع الضيافة، فأبيح له أن يقول فى المانع أنه لئيم، وأنه لم يقره، وشبه هذا‏.‏

وأما عقوبته بالحبس فإن ذلك إذا رُجى له مال أو وفاء بما عليه، فإذا ثبت عسرته وجبت نظرته ولم يلزمه حبس؛ لزوال العلة الموجبة لحبسه، وهى الوجدان‏.‏

واختلفوا فى الرجل إذا ثبتت عسرته وأطلقه القاضى من السجن، هل يلازمه غريمه‏؟‏ فقال مالك والشافعى‏:‏ ليس لغرمائه لزومه ولا يعترض له حتى يثوب له مال آخر‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ لا يمنع الحاكم غرماءه من لزومه‏.‏

قال الطحاوى‏:‏ وقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏مطل الغنى ظلم‏)‏ يدل أن مطل غير الغنى ليس بظلم، فلا مطالبة عليه إذًا، وإذا سقطت المطالبة زالت الملازمة‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏فنظرة إلى ميسرة ‏(‏يوجب تأخيره، فصار كالدين المؤجل فيمنع من لزومه‏.‏

باب إِذَا وَجَدَ مَالَهُ عِنْدَ مُفْلِسٍ فِى الْبَيْعِ وَالْقَرْضِ وَالْوَدِيعَةِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ

وَقَالَ الْحَسَنُ‏:‏ إِذَا أَفْلَسَ وَتَبَيَّنَ لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ، وَلاَ بَيْعُهُ وَلاَ شِرَاؤُهُ‏.‏

وقال سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ‏:‏ قَضَى عُثْمَانُ مَنِ اقْتَضَى مِنْ حَقِّهِ قَبْلَ أَنْ يُفْلِسَ، فَهُوَ لَهُ، وَمَنْ عَرَفَ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ‏.‏

- فيه‏:‏ أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ‏:‏ قال النَّبِىّ، عليه السَّلام‏:‏ ‏(‏مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ، أَوْ إِنْسَانٍ قَدْ أَفْلَسَ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ‏)‏‏.‏

اختلف العلماء فى هذا الباب، فروى عن عثمان بن عفان وعلى وابن مسعود وأبى هريرة‏:‏ أن المشترى إذا أفلس ووجد البائع متاعه بعينه فهو أحق به من سائر الغرماء‏.‏

وهو قول عروة بن الزبير، وإليه ذهب مالك، والأوزاعى، والشافعى، وأحمد، وإسحاق، واحتجوا بهذا الحديث‏.‏

وروى عن النخعى والحسن البصرى أن البائع أسوة الغرماء، وهو قول أبى حنيفة وأصحابه، ودفعوا حديث التفليس بالقياس وقالوا‏:‏ السلعة مال المشترى، وثمنها فى ذمته، ومن باع شيئًا فله إمساكه وحبسه حتى يستوفى الثمن، كما أن المرتهن له حق الحبس وإمساك الرهن ليستوفى حقه من ثمنه‏.‏

ثم قد ثبت أن المرتهن لو أبطل حق الحبس، وأزال يده عن الرهن وسلمه إلى الراهن، لم يكن له بعد ذلك الرجوع فيه، فكذلك البائع إذا أزال يده عن المبيع وسلمه إلى المشترى فقد تعلق حقه بالذمة المجردة‏.‏

والسنة مستغنى بها عن قول كل أحد، ولا مدخل للقياس والنظر إلا إذا عدمت السنة، وأما مع وجودها فهى حجة على من خالفها، وأيضًا فإن البائع إذا نقل حقه من العين إلى الذمة وتعذر قبضه من الذمة بالفلس، وجب أن يكون له الرجوع إلى العين مع بقائها‏.‏

فإن قال الكوفيون‏:‏ نتأول قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏فهو أحق به‏)‏ على المودع والمقرض دون البائع، قيل‏:‏ هذا فاسد، لأنه عليه السلام جعل لصاحب المتاع الرجوع إذا وجده بعينه، والمودع أحق بعين ماله سواء كان على صفته أو قد تغير عنها، فلم يجز حمل الخبر عليه، ووجب حمله على البائع، لأنه إنما يرجع بعين ماله إذا وجده على صفته لم يتغير، فإذا تغير فإنه لا يرجع‏.‏

وذهب مالك إلى أن صاحب المتاع أحق به إذا وجده فى الفلس وهو فى الموت أسوه الغرماء، وبه قال أحمد بن حنبل، وقال الشافعى‏:‏ هو فى الفلس والموت سواء، واحتج بما رواه ابن أبى ذئب عن أبى المعتمر عمرو بن نافع، عن عمرو بن خلدة الزرقى، عن أبى هريرة، عن النبى- عليه السلام- قال‏:‏ ‏(‏من مات أو أفلس فوجد رجل متاعة فهو أحق به‏)‏ وأبو المعتمر ضعفه ابن معين، وقال أبو داود‏:‏ لا يعرف‏.‏

وحجة مالك فى تفرقته بين الفلس والموت أن المفلس ذمته باقية، وللغرماء ذمة يرجعون إليها، وفى الموت تبطل الذمة أصلا، فلا يكون للغرماء شىء يرجعون إليه، ولا يجوز أن ينظر لبعضهم دون بعض، وقد فرقت السنة فى الفلس بين الموت والحياة، روى مالك عن ابن شهاب، عن أبى بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، أن رسول الله قال‏:‏ ‏(‏أيما رجل باع متاعًا فأفلس الذى ابتاعه منه، ولم يقبض الذى باعه من ثمنه شيئًا فوجده بعينه فهو أحق به، وإن مات الذى ابتاعه فصاحب المتاع فيه أسوة الغرماء‏)‏‏.‏

باب مَنْ بَاعَ مَالَ الْمُفْلِسِ أَوِ الْمُعْدِمِ فَقَسَمَهُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ أَوْ أَعْطَاهُ حَتَّى يُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ

- فيه‏:‏ جَابِر، أَعْتَقَ رَجُلٌ غُلاَمًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ، فَقَالَ النَّبىُّ عليه السَّلام‏:‏ ‏(‏مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّى‏؟‏‏)‏ فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ، فَأَخَذَ ثَمَنَهُ فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ‏.‏

لا يفهم من الحديث معنى قوله فى الترجمة‏:‏ فقسمه بين الغرماء؛ لأن الذى باع عليه رسول الله مدبره لم يكن له مال غيره، ذكره فى كتاب الأحكام ولم يذكر فى الحديث أنه كان عليه دين، وإنما باعه عليه؛ لأن من سنته عليه السلام أن لا يتصدق المرء بماله كان ويبقى فقيرًا فيتعرض لفتنة الفقر، ولذلك قال عليه السلام‏:‏ ‏(‏خير الصدقة ما كان ظهر غنى، وابدأ بمن تعول‏)‏ وعوله لنفسه أوكد عليه من الصدقة، وأما قسمة مال المفلس بين الغرماء فهو أصل مجمع عليه إذا قام عليه غرماؤه وحال الحاكم بينه وبين ماله ووقفه لهم، ولا يخرج هذا المعنى من حديث جابر أصلا‏.‏

باب إِذَا أَقْرَضَهُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى أَوْ أَجَّلَهُ فِى الْبَيْعِ

وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ فِى الْقَرْضِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى‏:‏ لاَ بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ أُعْطِىَ أَفْضَلَ مِنْ دَرَاهِمِهِ مَا لَمْ يَشْتَرِطْ‏.‏

وقال عَطَاءٌ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ‏:‏ هُوَ إِلَى أَجَلِهِ فِى الْقَرْضِ‏.‏

- فيه‏:‏ أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِىّ عليه السَّلام أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلاً مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ، سَأَلَ بَعْضَ بَنِى إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسْلِفَهُ ألف دينار، فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى‏.‏

اختلف العلماء فى تأخير الدين فى القرض إلى أجل، هل له أن يأخذه قبل الأجل‏؟‏ فقال مالك وأصحابه‏:‏ من أقرض رجلا دنانير أو دراهم أو شيئًا مما يكال أو يوزن أو غير ذلك حالا، ثم طاع له فأخره به إلى أجل، ثم أراد الانصراف عن ذلك، وأخذه قبل الأجل لم يكن ذلك له؛ لأن هذا مما يتقرب به إلى الله، وهو من باب الحسبة‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ سواء كان القرض إلى أجل أو غير أجل له أن يأخذه متى أحب، وكذلك العارية، ولا يجوز عندهم تأخير القرض البتة، ويجوز تأخير الغصوب وقيم المتلفات‏.‏

وقال الشافعى‏:‏ إذا أخره بدينه حال فله أن يرجع فيه متى شاء، وسواء كان ذلك من قرض أو غيره، وكذلك العارية وغيرها؛ لأن ذلك عندهم من باب العدة والهبة غير المقبوضة وهبة ما لم يخلق، وهذا كله لازم عند مالك فى تأجيل القرض، وفى عارية المنفعة للسكنى وغيرها، ويحمل ذلك على العرف فيما يستعار الشىء لمثله من العمل والسكنى، وكل ذلك عنده من أعمال البر التى أوجبها على نفسه فيلزمه الوفاء بها، وحديث أبى هريرة يشهد لقول مالك؛ لأن القرض فيه إلى أجل مسمى ولا يجوز تعديه والاقتضاء قبله، ولو جاز ذلك لكان ضرب الأجل وتركه سواء، ولم يكن لضرب الأجل معنى وبطل معنى قوله‏:‏ ‏(‏ولتعلموا عدد السنين والحساب ‏(‏وإنما فائدتها معرفة الآجال، وأما إذا أجله فى البيع فلا خلاف بين العلماء فى جواز الآجال فيه؛ لأنه من باب المعارضات، ولا يأخذ قبل محله‏.‏

باب مَا يُنْهَى عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ

وَقَوْلِ تعالى‏:‏ ‏{‏وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ‏}‏ وَ‏{‏لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ‏}‏ وَقَالَ‏:‏ ‏{‏أَصَلَوَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِى أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ‏}‏ وَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ‏}‏ وَالْحَجْرِ فِى ذَلِكَ وَمَا يُنْهَى عَنَهُ مِنَ الْخِدَاعِ‏.‏

- فيه‏:‏ ابْن عُمَرَ، قَالَ رَجُلٌ للرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ إِنِّى أُخْدَعُ فِى الْبُيُوعِ، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏إِذَا بَايَعْتَ، فَقُلْ لاَ خِلاَبَةَ‏)‏، فَكَانَ الرَّجُلُ يَقُولُهُ‏.‏

- وفيه‏:‏ الْمُغِيرَة، قَالَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ، وَوَأْدَ الْبَنَاتِ، وَمَنَعَ وَهَاتِ، وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ‏)‏‏.‏

اختلف العلماء فى إضاعة المال؛ فقال سعيد بن جبير‏:‏ إضاعة المال أن يرزقك الله رزقا فتنفقه فيما حرم الله عليك‏.‏

وكذلك‏.‏

قال مالك، قال المهلب‏:‏ وقيل‏:‏ إضاعة المال‏:‏ السرف فى إنفاقه وإن كان فيما يحل، ألا ترى أن النبى رد تدبير المعدم؛ لأنه أسرف على ماله فيما يحل له ويؤجر فيه، لكنه أضاع نفسه، وأجره فى نفسه أوكد عليه من أجره فى غيره‏.‏

واختلف العلماء فى وجوب الحجة على البالغ المضيع لماله، فقال جمهور العلماء‏:‏ يجب الحجر على كل مضيع لماله صغيرًا كان أو كبيرًا‏.‏

روى هذا عن على وابن عباس وابن الزبير وعائشة، وهو قول مالك والأوزاعى و أبى يوسف ومحمد والشافعى وأحمد وإسحاق وأبى ثور‏.‏

وقالت طائفة‏:‏ لا حجر على الحر البالغ‏.‏

هذا قول النخعى وابن سيرين، وبه قال أبو حنيفة وزفر، قال أبو حنيفة‏:‏ فإن حجر عليه القاضى ثم أقر بدين أو تصرف فى ماله جاز ذلك كله‏.‏

واحتج بحديث الذى كان يخدع فى البيوع فقال له عليه السلام‏:‏ ‏(‏إذا بايعت فقل‏:‏ لا خلابة‏)‏‏.‏

قال‏:‏ ففى هذا الحديث وقوف النبى- عليه السلام- على أنه كان يخدع فى البيع لم يمنعه من التصرف ولا حجر عليه‏.‏

وحجة الجماعة قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التى جعل الله لكم قيامًا ‏(‏فنهى تعالى عن دفع الأموال إلى السفهاء وقال‏:‏ ‏(‏فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ‏(‏فجعل شرط دفع أموالهم إليهم وجود الرشد، وهذه الآية محكمة غير منسوخة، ومن كان مبذرًا لماله فهو غير رشيد‏.‏

وقال ابن المنذر‏:‏ قوله تعالى فى قصة شعيب‏:‏ ‏(‏أصلاتك تأمرك‏}‏ الآية، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏أتبنون بكل ريع آية تبعثون ‏(‏فخبر تعالى أن أنبيائه منعوا قومهم من إضاعة الأموال والعبث، والأنبياء لا تأمر إلا بأمر الله‏.‏

واحتجوا بقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏إن الله كره لكم إضاعة المال‏)‏ وما كره الله لنا فمحرم علينا فعله‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏إن الله لا يصلح عمل المفسدين ‏(‏، و‏)‏ لا يحسب الفساد ‏(‏فالمبذر لماله داخل فى النهى ممنوع منه‏.‏

واحتج الطحاوى على أبى حنيفة فقال‏:‏ لما قال له عليه السلام‏:‏ ‏(‏إذا بايعت فقل‏:‏ لا خلابة‏)‏ أى‏:‏ لا شىء على من خلابتك إياى، جعل بيوعه معتبرة، فإن كان فيها خلابة لم تجز‏.‏

وليس فى هذا الحديث دفع الحجر، إنما فيه اعتبار عقود المحجور عليه‏.‏

قال غيره‏:‏ ويحتمل أن يكون الرجل يغبن بما لا ينفك التجار منه، فجعل له النبى الخيار ثلاثًا ليستدرك الغبن فى مدة الخيار، ولو أوجبت الضرورة الحجر عليه لفعله‏.‏

قال المهلب‏:‏ ألا ترى أنه قد شعر لما يمكر به فيه فسأل عنه النبى- عليه السلام- وليس من شكا مثل هذا مضيع لماله، وإنما هو حريص على ضبطه والنظر فيه فحضه عليه السلام أن جعل له إذا بايع أن يقول‏:‏ لا خلابة، أى‏:‏ لا تخدعونى فإن خديعتى لا تحل‏.‏

قال الطحاوى‏:‏ ولم أجد عن أحد من الصحابة والتابعين أنه قال‏:‏ لا حجر، كما قال أبو حنيفة إلا عن النخعى وابن سيرين‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏ووأد البنات‏)‏ من قوله‏:‏ ‏(‏وإذا الموءودة سئلت بأى ذنب قتلت ‏(‏وقوله‏:‏ ‏(‏ومنع وهات‏)‏ يعنى‏:‏ أن يمنع الناس خيره ورفده، ويأخذ منهم رفدهم‏.‏

وقال مالك فى قوله‏:‏ ‏(‏قيل وقال‏)‏‏:‏ وهو الإكثار من الكلام والإرجاف، نحو قول الناس‏:‏ أعطى فلان كذا ومنع كذا، والخوض فيما لا يعنى‏.‏

وقال أبو عبيد فى قوله‏:‏ ‏(‏قيل وقال‏)‏‏:‏ كأنه قال من قول وقيل‏:‏، يقال‏:‏ قلت قولا وقيلا وقالا، وقرأ ابن مسعود‏:‏ ‏(‏ذلك عيسى ابن مريم قال الحق‏)‏ يعنى‏:‏ قول الحق‏.‏

وأما ‏(‏كثرة السؤال‏)‏ فقال مالك‏:‏ لا أدرى أهو ما أنهاكم عنه من كثرة المسائل فقد كره رسول الله المسائل وعابها أو هو مسألة الناس أموالهم‏.‏

باب الْعَبْدُ رَاعٍ فِى مَالِ سَيِّدِهِ وَلاَ يَعْمَلُ إِلاَ بِإِذْنِهِ

- فيه‏:‏ ابْن عُمَرَ قَالَ النَّبِىّ، عليه السَّلام‏:‏ ‏(‏كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ فِى بَيْتِ زَوْجِهَا، وَالْخَادِمُ فِى مَالِ سَيِّدِهِ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ الحديث‏.‏

قال المهلب‏:‏ العبد راع فى مال سيده، يلزمه ما يلزم سائر الرعاة من حفظ ما استرعى عليه، ولا يعمل فى معظم الأمور إلا بإذن سيده، وما كان من المعروف المعتاد أن يعفى عنه مثل الصدقة بالكسرة والقطعة فلا يحتاج فيه إلى إذن سيده، وقد جاء فى حديث النبى- عليه السلام- أن الخادم أحد المتصدقين ولم يشترط إذن سيده إلا فى الكثير لقوله‏:‏ ‏(‏يعطى ما أمر به كاملا موفرًا إلى الذى أمر له‏)‏ فهذا يدل على العطاء الجزيل؛ لأن اشتراط الكمال فيه دليل على الكثرة‏.‏

باب مَا يُذْكَرُ فِى الإِشْخَاصِ وَالْمُلاَزَمَةِ وَالْخُصُومَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْيَهُودِي

- فيه‏:‏ عَبْدَاللَّهِ، سَمِعْتُ رَجُلاً قَرَأَ آيَةً سَمِعْتُ مِنَ النَّبِىِّ عليه السَّلام خِلاَفَهَا، فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ، فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِىّ عليه السَّلام فَقَالَ‏:‏ ‏(‏كِلاَكُمَا مُحْسِنٌ‏)‏، قَالَ شُعْبَةُ‏:‏ أَظُنُّهُ قَالَ‏:‏ ‏(‏لاَ تَخْتَلِفُوا، فَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ اخْتَلَفُوا فَهَلَكُوا‏)‏‏.‏

- وفيه‏:‏ أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ‏:‏ اسْتَبَّ رَجُلاَنِ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَرَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ، فَقَالَ الْمُسْلِمُ‏:‏ وَالَّذِى اصْطَفَى مُحَمَّدًا عَلَى الْعَالَمِينَ، فَقَالَ الْيَهُودِىُّ‏:‏ وَالَّذِى اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْعَالَمِينَ، فَرَفَعَ الْمُسْلِمُ يَدَهُ عِنْدَ ذَلِكَ فَلَطَمَ وَجْهَ الْيَهُودِىِّ، فَذَهَبَ الْيَهُودِىُّ إِلَى النَّبِىِّ عليه السَّلام فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ، وَأَمْرِ الْمُسْلِمِ، فَدَعَا النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم الْمُسْلِمَ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ عليه السَّلام‏:‏ ‏(‏لاَ تُخَيِّرُونِى عَلَى مُوسَى، فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَصْعَقُ مَعَهُمْ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، فَإِذَا مُوسَى بَاطِشٌ جَانِبَ الْعَرْشِ، فَلاَ أَدْرِى أَكَانَ فِيمَنْ صَعِقَ فَأَفَاقَ قَبْلِى، أَوْ كَانَ مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ، أو قَالَ‏:‏ حوسب لصعقته‏)‏‏.‏

- وفيه‏:‏ أَنَس، أَنَّ يَهُودِيًّا رَضَّ رَأْسَ جَارِيَةٍ بَيْنَ حَجَرَيْنِ، فقِيلَ‏:‏ من فَعَلَ هَذَا بِكِ، أَفُلاَنٌ أَفُلاَنٌ حَتَّى سُمِّىَ الْيَهُودِىُّ، فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا، فَأُخِذَ الْيَهُودِىُّ فَاعْتَرَفَ، فَأَمَرَ بِهِ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم فَرُضَّ رَأْسُهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ‏.‏

اختلف العلماء فى إشخاص المدعى عليه، فقال ابن القاسم فى معنى قول مالك‏:‏ إن كان المدعى عليه غائبًا إلى مثل ما يسافر الناس إليه ويقدمون كتب إلى والى الموضع فى أخذ المدعى عليه بالاستحلاف أو القدوم للخصومة وإن كانت غيبة بعيدة فيسمع من بينة المدعى ويقضى له، وقياس قول الشافعى أنه يجلب بدعوى المدعى‏.‏

وقال الليث‏:‏ لا يجلب المدعى عليه حتى يشهد بينته على الحق‏.‏

قال الطحاوى‏:‏ وليس عند أصحابنا المتقدمين فيه شىء، والقياس ألا يجلب لا ببينة ولا بغير بينة‏.‏

قال غيره‏:‏ إنما يريد أن يكتب إلى حكم الجهة‏.‏

قال المهلب‏:‏ وفى حديث أنس الإشخاص إذا قويت شبهة الدعوى والتوفيق والملازمة فى الجواب عن الدعوى، لأن الجارية ادعت بإشارة فأشخص اليهودى ووقف، وألزم الجواب، وشدد عليه فيه، واستدل على كذبه حتى أقر واعترف، قال‏:‏ وإذا كان الخصم فى موضع يخاف فى فواته منه فلا بأس بإشخاصه وملازمته، وإن كان فى موضع لا يخاف فواته منه فليس له إشخاصه إلا برفع من السلطان، إلا أن يكون فى شىء من أمور الدين، فإن من الإنكار على أهل الباطل أن يشخصوا ويرفعوا كما فعل ابن مسعود بالرجل، وكما فعل عمر بهشام بن حكيم حين تأول عليه أنه يخطئ‏.‏

قال عنه‏:‏ وأما الملازمة فأوجبها من لم ير السجن على مدعى العدم حتى يثبت عدمه‏.‏

وهم الكوفيون، وأما مالك وأصحابه فيرون أنه يسجن حتى يثبت العدم، وفرق الكوفيون بين الذى يكون أصله من معاوضة فيجب سجن من ادعى، لأنه قد حصل بيده العوض ويدعى العدم، وأما إن كانت معاملة بغير معاوضة كالهبة وشبهها فلا يسجن، لأن أصل الناس عندهم على الفقر حتى يثبت الغنى، وإذا وجدت المعاوضة فقد صح عنده ما ينفى الفقر، ولم يفرق مالك بين شىء من ذلك، وهو عنده على الغنى حتى يثبت العدم، فلذلك يلزمه السجن‏.‏

قال المهلب‏:‏ وفى حديث أبى هريرة أنه لا قصاص بين المسلم والذمى، لأن النبى لم يقد اليهودى من المسلم فى اللطمة، وقد ترجم فى كتاب الديات باب إذا لطم المسلم يهوديا عند الغضب، وفيه تأدب النبى- عليه السلام- بما خصه الله به من الفضيلة، فإن قال قائل‏:‏ قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏لا تخيرونى من بين الأنبياء‏)‏‏.‏

وقوله‏:‏ لا ينبغى لأحد أن يقول‏:‏ ‏(‏أنا خير من يونس ابن متى‏)‏ يعارض قوله‏:‏ ‏(‏أنا أول من تنشق الأرض عنه‏)‏ وقوله‏:‏ ‏(‏أنا سيد ولد آدم ولا فخر‏}‏‏.‏

فالجواب‏:‏ إن للعلماء فى ذلك تأويلين ينفيان عنهما التضاد‏:‏ فأحدهما ذكره ابن قتيبة فقال‏:‏ لا اختلاف بين شىء من ذلك بحمد الله، وذلك أنه أراد أنه سيد ولد آدم يوم القيامة، لأنه الشافع يومئذ، وله لواء الحمد والحوض، وأراد بقوله‏:‏ ‏(‏لا تخيرونى على موسى‏)‏ طريق التواضع كما قال أبو بكر الصديق‏:‏ وليتكم ولست بخيركم‏.‏

وكذلك قوله‏:‏ ‏(‏لا ينبغى لأحد أن يقول‏:‏ أنا خير من يونس بن متى‏)‏ يدل على معنى التواضع، لأن يونس دون غيره من الأنبياء مثل إبراهيم وموسى وعيسى، يريد إذا كنت لا أحب أن أفضل على يونس، فكيف غيره ممن هو فوقه من أولى العزم من الرسل، وقد قال تعالى‏:‏ ‏{‏فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت ‏(‏أراد يونس لم يكن له صبر غيره من الأنبياء‏.‏

وفى هذه الآية ما يدل على أن رسول الله أفضل منه، لأن الله يقول له ولا تكن مثله، فدل أن قوله‏:‏ ‏(‏لا تفضلونى عليه‏)‏ من طريق التواضع، ويجوز أن يريد لا تفضلونى عليه فى العمل فلعله أفضل عملا منى‏.‏

ولا فى البلوى والامتحان فإنه أعظم محنة منى‏.‏

وليس ما أعطى الله نبينا محمدًا من السؤدد والفضل يوم القيامة على جميع الأنبياء والرسل بعمله، بل بتفضيل الله إياه واختصاصه له، وكذلك أمته أسهل الأمم محنة، بعثه الله بالحنيفية السمحة، ووضع عنها الإصر والأغلال التى كانت على بنى إسرائيل فى فرائضهم، وهى مع هذا خير أمة أخرجت للناس بفضل الله وبرحمته، هذا تأويل ابن قتيبة، واختاره المهلب‏.‏

والتأويل الآخر‏:‏ قال غيره‏:‏ ليس شىء من هذه الأحاديث يتعارض، لأنه يجوز أن يكون فى وقتين، فقال عليه السلام‏:‏ ‏(‏ولا تفضلونى على موسى‏)‏ و ‏(‏لا ينبغى لأحد أن يقول إنى خير من يونس‏)‏ فى أول أمره، فى وقت أنزل عليه‏:‏ ‏(‏وما أدرى ما يفعل بى ولا بكم ‏(‏ووقت قيل له‏:‏ يا خير البرية فقال‏:‏ هذا إبراهيم وقبل أن ينزل الله عليه‏:‏ ‏(‏ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ‏(‏فلما غفر الله له ذلك علم أنه سيد ولد آدم، فقال ذلك حينئذ- والله أعلم‏.‏

قال المهلب‏:‏ وقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏أم جوزى بصعقة الطور‏)‏ فيه دليل أن المحن فى الدنيا والهموم والآلام يرجى أن يخفف الله بها يوم القيامة كثيرًا من أهوال القيامة، وأما كفارة الذنوب بها فمنصوص عليه من النبى- عليه السلام- بقوله‏:‏ ‏(‏حتى الشوكة يشاكها‏)‏‏.‏

وفيه‏:‏ رد قول سعيد بن جبير الذى ذكره البخارى فى كتاب تفسير القرآن أن الكرسى العلم، لأن العلم ليس له جانب ولا قائمة تقع اليد عليها، لأن اليد لا تقع إلا على ما له جسم، والعلم ليس بجسم، وستأتى زيادة فى هذا المعنى فى كتاب العقول فى باب إذا لطم المسلم يهوديا عند الغضب- إن شاء الله‏.‏

باب مَنْ رَدَّ أَمْرَ السَّفِيهِ وَالضَّعِيفِ الْعَقْلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَجَرَ عَلَيْهِ الإِمَامُ

وَيُذْكَرُ عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ النَّبِىَّ عليه السَّلام رَدَّ عَلَى الْمُتَصَدِّقِ قَبْلَ النَّهْىِ، ثُمَّ نَهَاهُ، وَقَالَ مَالِكٌ‏:‏ إِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ مَالٌ وَلَهُ عَبْدٌ لاَ شَىْءَ لَهُ غَيْرُهُ، فَأَعْتَقَهُ لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ‏.‏

باب وَمَنْ بَاعَ عَلَى الضَّعِيفِ وَنَحْوِهِ، فَدَفَعَ ثَمَنَهُ إِلَيْهِ وَأَمَرَهُ بِالإِصْلاَحِ وَالْقِيَامِ بِشَأْنِهِ، فَإِنْ أَفْسَدَ بَعْدُ مَنَعَهُ

لأَنَّ النَّبِىَّ عليه السَّلام نَهَى عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ وَقَالَ لِلَّذِى يُخْدَعُ فِى الْبَيْعِ‏:‏ ‏(‏إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ لاَ خِلاَبَةَ‏)‏، وَلَمْ يَأْخُذِ النَّبِىُّ عَلَيْهِ السَّلام مَالَهُ‏.‏

- فيه‏:‏ ابْن عُمَرَ، كَانَ رَجُلٌ يُخْدَعُ فِى الْبَيْعِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إِذَا بَايَعْتَ، فَقُلْ‏:‏ لاَ خِلاَبَةَ‏)‏، فَكَانَ يَقُولُهُ‏.‏

- وفيه‏:‏ جَابِر، أَنَّ رَجُلاً أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ، فَرَدَّهُ النَّبِىُّ عليه السَّلام فَابْتَاعَهُ مِنْهُ نُعَيْمُ بْنُ النَّحَّامِ‏.‏

اختلف العلماء فى هذا الباب، فقال مالك، وجميع أصحابه غير ابن القاسم‏:‏ إن فعل السفيه وأمره كله جائز حتى يضرب الإمام على يده وهو قول الشافعى، وقال ابن القاسم‏:‏ أفعاله غير جائزة وإن لم يضرب عليه الإمام‏.‏

وقال أصبغ‏:‏ إن كان ظاهر السفه فأفعاله مردودة، وإن كان غير ظاهر السفه فلا ترد أفعاله حتى يحجر عليه الإمام‏.‏

واحتج سحنون لقول مالك بأن قال‏:‏ لو كانت أفعال السفيه مردودة قبل الحجر عليه ما احتاج السلطان أن يحجر على أحد‏.‏

واحتج غيره بأن النبى- عليه السلام- أجاز بيع الذى كان يخدع فى البيوع، ولم يذكر فى الحديث أنه فسخ ما تقدم من بيوعه، وحجة ابن القاسم حديث جابر أن النبى- عليه السلام- رد عتق الذى أعتق عبده ولم يكن حجر عليه قبل ذلك، ولما تنوع حكم النبى- عليه السلام- فى السفيهين نظر بعض الفقهاء فى ذلك، فاستعمل الحديثين جميعًا فقال‏:‏ ما كان من السفه اليسير والخداع الذى لا يكاد يسلم منه مع تنبه المخدوع إليه والشكوى له، فإنه لا يوجب الضرب على اليد، ولا رد ما وقع له قبل ذلك من البيع، ولا انتزاع ماله كما لم يرد عليه السلام بيع الذى قال له‏:‏ لا خلابة، ولا انتزع ماله وما كان من البيع فاحشًا فى السفه فإنه يرد كما رد النبى- عليه السلام- تدبير العبد الذى اشتراه ابن النحام، لأنه لم يكن أبقى لنفسه سيده مالا يعيش به، فرد عتقه، وصرف عليه ماله الذى فوته بالعتق ليقوم به على نفسه، ويؤدى منه دينه، وإنما ذلك على قدر اجتهاد الإمام فى ذلك وما يراه‏.‏

وقد تقدم الكلام فى حديث ابن عمر فى كتاب البيوع فى باب ما يكره من الخداع فى البيع ومذاهب العلماء فيمن باع بيعًا وغبن فيه- والحمد لله‏.‏

باب كَلاَمِ الْخُصُومِ بَعْضِهِمْ فِى بَعْضٍ

- فيه‏:‏ عَبْدِاللَّهِ قَالَ عليه السَّلام‏:‏ ‏(‏مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ وَهُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، لَقِىَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ، قَالَ‏:‏ فَقَالَ الأَشْعَثُ بن قيس‏:‏ فِىَّ وَاللَّهِ كَانَ هذا كَانَ بَيْنِى وَبَيْنَ يَهُودِى أَرْضٌ فَجَحَدَنِى، فَقَدَّمْتُهُ إِلَى النَّبِىِّ عليه السَّلام فَقَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أَلَكَ بَيِّنَةٌ‏)‏‏؟‏ قُلْتُ‏:‏ لاَ، قَالَ‏:‏ فَقَالَ لِلْيَهُودِىِّ‏:‏ ‏(‏احْلِفْ‏)‏، قَالَ‏:‏ قُلْتُ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذًا يَحْلِفَ وَيَذْهَبَ بِمَالِى، قَالَ‏:‏ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى‏)‏ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً‏}‏ الآية‏.‏

- وفيه‏:‏ كَعْب، أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِى حَدْرَدٍ دَيْنًا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِى الْمَسْجِدِ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ فِى بَيْتِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ، فَنَادَى‏:‏ ‏(‏يَا كَعْبُ‏)‏، قَالَ‏:‏ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ ‏(‏ضَعْ مِنْ دَيْنِكَ هَذَا‏)‏، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ أَىِ الشَّطْرَ، قَالَ‏:‏ لَقَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ ‏(‏قُمْ فَاقْضِهِ‏)‏‏.‏

- وفيه‏:‏ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَؤُهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَقْرَأَنِيهَا، وَكِدْتُ أَنْ أَعْجَلَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَمْهَلْتُهُ حَتَّى انْصَرَفَ، ثُمَّ لَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ، فَجِئْتُ بِهِ النَّبِىّ، عليه السَّلام‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

وذكر الحديث‏.‏

لا يجوز من كلام الخصوم بعضهم لبعض إلا ما يجوز من كلام غيرهم مما لا يوجب أدبًا ولا حدا‏.‏

قال المهلب‏:‏ معنى الترجمة من حديث ابن مسعود قول الأشعث‏:‏ ‏(‏إذا والله يحلف ويذهب بمالى‏)‏ فمثل هذا الكلام مباح فيمن عرف فسقه، كما عرف فسق اليهودى الذى خاصم الأشعث وقلة مراقبته لله تعالى فحينئذ يسمح الحاكم للقائل لخصمه ذلك، وأما إن قال ذلك فى رجل صالح أو من لا يعرف له فسق فيجب أن ينكر عليه، ويؤخذ له الحق، ولا يبيح له النيل من عرضه‏.‏

وحديث عمر مع هشام بن حكيم فى تولى الخصوم بعضهم بعضًا سديد فى هذا الباب، لأن فيه امتدادًا باليد، فهو أقوى من القول، وإنما جاز له ذلك- والله أعلم- لأنه أنكر عليه فى أمر الدين، وفى حديث كعب جواز ارتفاع الأصوات بين الخصوم لما فى خلائق الناس من ذلك، ولو قصر الناس عن اختلافهم لكان ذلك من المشقة عليهم، بل يسمح لهم فيما جبلهم الله عليه، لأن النبى- عليه السلام- سمعهما ولم ينههما عن رفع أصواتهما، وفيه أن الحاكم إذا سمع قول الخصوم واستعجم عليه أمرهما أشار عليهما بالصلح، وأمرهما به، وإذا رأى مديانًا غير مستضلع بدينه، ولا ملى به، وثبتت عسرته، أنه لا بأس للحكم أن يأمر صاحب الدين بالوضيعة لقطع الخصام، لما فى تماديه من قطع ذات البين وفساد النيات‏.‏

باب إِخْرَاجِ أَهْلِ الْمَعَاصِى وَالْخُصُومِ مِنَ الْبُيُوتِ بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ

وَقَدْ أَخْرَجَ عُمَرُ أُخْتَ أَبِى بَكْرٍ حِينَ نَاحَتْ - فيه‏:‏ أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ النَّبِىّ، عليه السَّلام‏:‏ ‏(‏لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلاَةِ، فَتُقَامَ، ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى مَنَازِلِ قَوْمٍ لاَ يَشْهَدُونَ الصَّلاَةَ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ‏)‏‏.‏

قال المهلب‏:‏ فيه من الفقه أن من ترك سنة من سنن النبى - عليه السلام- المجتمع عليها فى الإقامة، أنه يعاقب فى نفسه وماله، لأن حرق المنازل عقوبة فى المال على عمل الأبدان، فإذا كانت العقوبة تتعدى إلى المال عن البدن، فهى أحرى أن تقع فى البدن، وفيه أن العقوبات على أمور الدين التى لا حدود فيها موكولة إلى اجتهاد الإمام لقوله‏:‏ ‏(‏لقد هممت‏)‏ فهذا نظر واجتهاد‏.‏

وقد قال قوم‏:‏ إن هذا الحديث فى المنافقين، وليس كذلك، لأن النبى- عليه السلام- لم يعن بإخراج المنافقين إلى الصلاة، ولا التفت إلى شىء من أمرهم، وقيل فيه‏:‏ إنه فى المؤمنين، وقد تقدم القولان فى باب وجوب صلاة الجماعة، وسيأتى فى كتاب الأحكام- إن شاء الله- شىء من الكلام فى معنى هذا الباب تركته لأنه بوب بهذا الحديث بعينه، وذكر هذا الحديث فيه‏.‏

باب دَعْوَى الْوَصِىِّ لِلْمَيِّتِ

- فيه‏:‏ عَائِشَةَ، أَنَّ عَبْدَ بْنَ زَمْعَةَ، وَسَعْدًا، اخْتَصَمَا إِلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فِى ابْنِ أَمَةِ زَمْعَةَ، فَقَالَ سَعْدٌ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوْصَانِى أَخِى إِذَا قَدِمْتُ أَنْ أَنْظُرَ ابْنَ أَمَةِ زَمْعَةَ، فَأَقْبِضَهُ فَإِنَّهُ ابْنِى، وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ‏:‏ أَخِى، وَابْنُ أَمَةِ أَبِى، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِى، فَرَأَى النَّبِىُّ عليه السَّلام شَبَهًا بَيِّنًا بِعُتْبَةَ، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَاحْتَجِبِى مِنْهُ يَا سَوْدَةُ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ الحديث‏.‏

هذا الحديث ترجم له فى كتاب الوصايا ما يجوز للموصى إليه من الدعوى، وهى هذه الترجمة، وسيأتى الكلام فيها هناك- إن شاء الله- وللعلماء فى هذا الحديث ضروب من التخريج سأذكرها- إن شاء الله- فى باب أم الولد‏.‏

باب التَّوَثُّقِ مِمَّنْ تُخْشَى مَعَرَّتُهُ

وَقَيَّدَ ابْنُ عَبَّاسٍ عِكْرِمَةَ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ وَالْفَرَائِضِ‏.‏

- فيه‏:‏ أَبُو هُرَيْرَةَ، بَعَثَ النَّبِىّ عليه السَّلام خَيْلاً قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِى حَنِيفَةَ، يُقَالُ لَهُ‏:‏ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ سَيِّدُ أَهْلِ الْيَمَامَةِ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِى الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ‏)‏‏؟‏ قَالَ‏:‏ عِنْدِى يَا مُحَمَّدُ خَيْرٌ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ‏)‏‏.‏

قال أهل العلم‏:‏ يوجبون التوثق بالحبس والضامن وما أشبهه ممن وجب عليه حق لغيره، فأبى أن يخرج منه و ادعى مخرجًا لم يحضره فى الوقت، وقد روى وكيع أن عليا كان يحبس فى الدين، وروى معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين قال‏:‏ كان شريح إذا قضى على رجل بحق أمر بحبسه فى المسجد إلى أن يقوم، فإن أعطى حقه وإلا أمر به إلى السجن‏.‏

وقال طاوس‏:‏ إذا لم يقر الرجل بالحكم حبس‏.‏

وروى معمر عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده ‏(‏أن رسول الله حبس رجلا فى تهمة‏)‏‏.‏

وحديث ثمامة أصل فى ذلك، لأنه كان قد حل دمه بالكفر، والسنة فى مثله أن يقتل، أو يستعبد، أو يفادى به، أو يمن عليه، فحبسه النبى حتى يرى فيه رأيه وأى الوجوه أصلح للمسلمين فى أمره، وترجم له فى كتاب الصلاة باب الأسير والغريم يربط فى المسجد‏.‏

باب الرَّبْطِ وَالْحَبْسِ فِى الْحَرَمِ

وَاشْتَرَى نَافِعُ بْنُ عَبْدِالْحَارِثِ دَارًا لِلسِّجْنِ بِمَكَّةَ مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ عَلَى أَنَّ عُمَرَ إِنْ رَضِىَ، فَالْبَيْعُ بَيْعُهُ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ عُمَرُ، فَلِصَفْوَانَ أَرْبَعُ مِائَةِ دِينَارٍ، وَسَجَنَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ‏.‏

- فيه‏:‏ أَبُو هُرَيْرَةَ، أن النَّبِىّ عليه السَّلام بَعَثَ خَيْلاً قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بثُمَامَة، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِى الْمَسْجِدِ‏.‏

قال المهلب‏:‏ اشترى نافع الدار للسجن بمكة من مال المسلمين، لأن عمر كان يومئذ أمير المؤمنين، فاشترى نافع الدار من صفوان وشرط عليه إن رضى عمر الابتياع فهو لعمر وإن لم يرض ذلك بالثمن المذكور فالدار لنافع بأربعمائة، وهذا بيع جائز، فابتياع الدار لتكون سجنًا بمكة، يدل أن الحبس فى الحرم والربط والأسر فيه جائز بخلاف قول من قال من التابعين أن من فر إلى الحرم بحد أو جرم، أنه لا يقاد منه فى الحرم، واحتجوا بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ومن دخله كان آمنا ‏(‏وأئمة الفتوى بالأمصار لا يمنع عندهم الحرم إقامة الحدود والقود فيه على من وجب عليه ذلك فى غير الحرم، وكلهم يقول‏:‏ إن من قتل فى الحرم قتل فيه‏.‏

باب فِى الْمُلاَزَمَةِ

- فيه‏:‏ كَعْب، كَانَ لَهُ عَلَى عَبْدِاللَّهِ بْنِ أَبِى حَدْرَدٍ دَيْنٌ، فَلَقِيَهُ فَلَزِمَهُ، فَتَكَلَّمَا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، فَمَرَّ بِهِمَا النَّبِىُّ، عليه السَّلام، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏يَا كَعْبُ‏)‏، وَأَشَارَ بِيَدِهِ، كَأَنَّهُ يَقُولُ‏:‏ النِّصْفَ، فَأَخَذَ نِصْفَ مَا عَلَيْهِ، وَتَرَكَ نِصْفًا‏.‏

قال‏:‏ هذا الحديث حجة للكوفيين فى قولهم بالملازمة للغريم، ألا ترى أن النبى- عليه السلام- مر بكعب بن مالك وهو قد لزم غريمه فلم ينكر ذلك عليه، وأشار عليه بالصلح، وسائر الفقهاء لا ينكرون على صاحب الدين أن يطلب دينه كيف أمكنه بإلحاح عليه وملازمة أو غير ذلك، وإنما اختلفوا فى الغريم المعدم هل يلازمه غريمه بعد ثبوت الإعدام وانطلاقه من السجن أم لا‏؟‏ وقد تقدم ذلك فى باب قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏مطل الغنى ظلم‏)‏ فأغنى عن إعادته‏.‏

باب التَّقَاضِى

- فيه‏:‏ خَبَّاب، كُنْتُ قَيْنًا فِى الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ لِى عَلَى الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ دَرَاهِمُ، فَأَتَيْتُهُ أَتَقَاضَاهُ، فَقَالَ‏:‏ لاَ أَقْضِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ، فَقُلْتُ‏:‏ لاَ وَاللَّهِ لاَ أَكْفُرُ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم حَتَّى يُمِيتَكَ اللَّهُ، ثُمَّ يَبْعَثَكَ، قَالَ‏:‏ فَدَعْنِى حَتَّى أَمُوتَ، ثُمَّ أُبْعَثَ، فَأُوتَى مَالاً وَوَلَدًا، ثُمَّ أَقْضِيَكَ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ الحديث‏.‏

فيه من الفقه أن الرجل الفاضل إذا كان له دين عند الفاسق والكافر أنه لا بأس أن يطلبه ويشخص فيه بنفسه، ولا نقيصة عليه فى ذلك، لأن النبى قد نهى عن إضاعة المال- والحمد لله وحده‏.‏

بسم الله الرحمن الرحيم

كِتَاب اللُّقَطَةِ

باب إِذَا أَخْبَرَ رَبُّ اللُّقَطَةِ بِالْعَلاَمَةِ دَفَعَت إِلَيْهِ

- فيه‏:‏ سُوَيْدَ بْنَ غَفَلَةَ، لَقِيتُ أُبَىَّ بْنَ كَعْبٍ، فَقَالَ‏:‏ وجدتُ صُرَّةً مِائَةَ دِينَارٍ، فَأَتَيْتُ النَّبِىَّ عليه السَّلام فَقَالَ‏:‏ ‏(‏عَرِّفْهَا حَوْلاً‏)‏، فَعَرَّفْتُهَا حَوْلاً، فَلَمْ أَجِدْ مَنْ يَعْرِفُهَا، ثُمَّ أَتَيْتُهُ، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏عَرِّفْهَا حَوْلاً‏)‏، فَعَرَّفْتُهَا، فَلَمْ أَجِدْ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ ثَلاَثًا، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏احْفَظْ وِعَاءَهَا وَعَدَدَهَا وَوِكَاءَهَا، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا، وَإِلاَ فَاسْتَمْتِعْ بِهَا‏)‏، ‏[‏فَاسْتَمْتَعْتُ‏]‏ فَلَقِيتُهُ بَعْدُ بِمَكَّةَ، فَقَالَ‏:‏ لاَ أَدْرِى أثَلاَثَةَ أَحْوَالٍ أَم حَوْلاً وَاحِدًا‏.‏

هذا الحديث لم يقل بظاهره أحد من أئمة الفتوى أن اللقطة تعرف ثلاثة أعوام، لأن سويد بن غفلة قد وقف عليه أبى بن كعب مرة أخرى حين لقيه بمكة، فقال‏:‏ لا أدرى ثلاثة أحوال أم حولا واحداُ، وهذا الشك يوجب سقوط التعريف ثلاثة أحوال، ولا يحفظ عن أحد قال ذلك إلا رواية جاءت عن عمر بن الخطاب ذكرها عبد الرزاق عن ابن جريج قال‏:‏ قال مجاهد‏:‏ وجد سفيان بن عبد الله الثقفى عبية فيها مال عظيم، فجاء بها عمر بن الخطاب، فقال‏:‏ عرفها سنة، فعرفها سنة ثم جاءه، فقال‏:‏ عرفها سنة فعرفها ثم جاءه فقال‏:‏ عرفها سنة، فعرفها ثم جاءه بها، فجعلها عمر فى بيت مال المسلمين‏.‏

وقد روى عن عمر ابن الخطاب أن اللقطة تعرف سنة مثل قول الجماعة، وممن روى عنه أنها تعرف سنة‏:‏ على ابن أبى طالب، وابن عباس، وسعيد بن المسيب، والشعبى، وإليه ذهب مالك، والكوفيون، والشافعى، وأحمد بن حنبل، واحتجوا بحديث زيد بن خالد الجهنى‏.‏

واختلف العلماء إذا جاء رب اللقطة بالعلامة هل يلزمه إقامة البينة أنها له أم لا‏؟‏ فقال مالك والليث وجماعة من أهل الحديث‏:‏ إذا جاء بعلامتها وجب أن يأخذها، ولم يكلف إقامة البينة‏.‏

وبه قال أحمد بن حنبل، وقال أبو حنيفة والشافعى‏:‏ لا يأخذها إلا بعد إقامة البينة‏.‏

قال ابن القصار‏:‏ وحجة مالك قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏اعرف وعاءها وعددها ووكاءها، فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها‏)‏ ولم يقل‏:‏ فإن جاء صاحبها وأقام بينة، وإنما أمر الملتقط بمعرفة الوعاء والوكاء ليضبطها، فإذا جاء طالبها وعرف صفتها سلمت إليه، ولو لم يجب عليه دفعها إلى من يأتى بصفتها لم يكن لمعرفة صفتها معنى، ولو كلف البينة لتعذر عليه، لأنه لا يعلم متى تسقط فيشهد عليها من أجل ذلك‏.‏

واحتج الآخرون بقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏البينة على المدعى‏)‏، وصاحب اللقطة مدع فلا يستحقها إلا بالبينة، فأجابهم أهل المقالة الأولى فقالوا‏:‏ البينة إنما تجب على المدعى إذا كان المدعى عليه ممن يدعى الشىء المدعى فيه لنفسه‏.‏

والملتقط لا يدعى اللقطة لنفسه، ألا ترى أن الملتقط لو ادعى عليه اللقطة بغير صفة ولا بينة وأنكر لم يكن عليه يمين، فعلم بهذا أن البينة إنما تجب فى موضع يدعى عليه ذلك الشىء، وهو يدعيه لنفسه‏.‏

قال ابن حبيب‏:‏ وأكثر ما يمكن فى اللقطة أن يقبل منه الصفة ويحلف على ذلك، فيكون بمنزلة شاهد ويمين‏.‏

وهو قول سحنون، وقال سحنون‏:‏ أصحابنا يقولون باليمين‏.‏

وهو قول أشهب، وقال‏:‏ إن نكل عن اليمين لم يأخذها، ومن الناس من يقول‏:‏ لا يمين عليه‏.‏

قال ابن القصار‏:‏ وقول من رأى اليمين أحوط‏.‏

وقال الأبهرى‏:‏ العلامة تقوم مقام اليمين، وهو الذى يقتضى الحديث، ويدل عليه‏.‏

واختلفوا إذا جاء بصفتها ودفعها إليه، ثم جاء آخر فأقام بينة أنها له، فقال ابن القاسم‏:‏ لا يضمن الملتقط شيئًا؛ لأنه فعل ما وجب عليه، وهو أمين والشىء ليس بمضمون عليه و الحكم فيها عنده أن تقسم بين صاحب الصفة وصاحب البينة، كما يحكم فى نفسين إذا ادعيا شيئًا وأقاما بينة‏.‏

وقال أشهب‏:‏ إذا أقام الثانى البينة حُكم له بها على الذى أخذها بالعلامة‏.‏

وقال أبو حنيفة والشافعى‏:‏ إذا أقام الثانى البينة فعلى الملتقط الضمان‏.‏

وقول ابن القاسم أولى؛ لأن الضمان لا يلزم فيما سبيله الأمانة، ولا خلاف عن مالك وأصحابه أن الثانى إذا أتى بعلامتها بلا بينة أنه لا شىء له‏.‏

باب ضَالَّةِ الإِبِلِ

- فيه‏:‏ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، جَاءَ أَعْرَابِىٌّ إلى النَّبِىَّ عليه السَّلام فَسَأَلَهُ عَمَّا يَلْتَقِطُ، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏عَرِّفْهَا سَنَةً، ثُمَّ اعْرَفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا، فَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ يُخْبِرُكَ بِهَا، وَإِلاَ فَاسْتَنْفِقْهَا‏)‏، قَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، ضَالَّةُ الْغَنَمِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏(‏لَكَ، أَوْ لأَخِيكَ، أَوْ لِلذِّئْبِ‏)‏، قَالَ‏:‏ ضَالَّةُ الإِبِلِ‏؟‏ فَتَمَعَّرَ وَجْهُ النَّبِىِّ عليه السَّلام فَقَالَ‏:‏ ‏(‏مَا لَكَ وَلَهَا، مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقَاؤُهَا، تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ‏)‏‏.‏

قال أبو عبيد‏:‏ العفاص‏:‏ الوعاء الذى تكون فيه النفقة من جلد كان أو غيره، ولهذا يسمى الجلد التى تلبسه القارورة العفاص؛ لأنه كالوعاء لها، والوكاء‏:‏ الخيط الذى يشد به، وحذاؤها يعنى‏:‏ أخفافها، يقول‏:‏ تقوى على السير وتقطع البلاد، وسقاؤها‏:‏ يعنى أنها تقوى على ورود المياه لتشرب والغنم لا تقوى على ذلك‏.‏

واختلفوا فى ضالة الإبل هل تؤخذ‏؟‏ قال مالك والأوزاعى والشافعى‏:‏ لا يأخذها ولا يعرفها؛ لنهيه- عليه السلام- عن ضالة الإبل‏.‏

وقال الليث‏:‏ إن وجدها فى القرى عرفها، وفى الصحراء لا يقربها‏.‏

وقال الكوفيون‏:‏ أخذ ضالة الإبل وتعريفها أفضل؛ لأن تركها سبب لضياعها، قالوا‏:‏ وأمر عمر بتعريف البعير يدل على جواز ذلك، وإنما النهى عن أخذها لمن يأكلها، وهو معنى قول عمر بن الخطاب‏:‏ لا يأوى الضالة إلا ضال‏.‏

وقد باع عثمان ضوال الإبل، وحبس أثمانها على أربابها ورأى أن ذلك أقرب إلى جمعها عليهم لفساد الناس‏.‏

قيل لهم‏:‏ ترك عمر لضوال الإبل أشبه لمعنى قوله- عليه السلام-‏:‏ ‏(‏معها حذاؤها وسقاؤها ترد الماء وترعى الشجر حتى يلقاها ربها‏)‏ وذلك أقرب إلى جمعها على صاحبها مع جور الأئمة؛ لأن صاحبها لا يستطيع أن يخاصم فيها الإمام الجائر، ولا يجد من يحكم له عليه، ويستطيع أن يخاصم فيها الرعية فيقضى له عليه السلطان، وظاهر الحديث على تركها حيث وجدها والنهى عن أخذها‏.‏

قال ابن المنذر‏:‏ وممن رأى أن ضالة البقر كضالة الإبل‏:‏ طاوس والأوزاعى، والشافعى‏.‏

وقال مالك والشافعى فى ضالة البقر‏:‏ إن وجدت بموضع يخاف عليها فهى بمنزلة الشاة، وإن كانت بموضع لا يخاف عليها فهى بمنزلة البعير‏.‏

قال ابن حبيب‏:‏ والخيل والبغال والعبيد وكل ما يستقل بنفسه ويذهب هو داخل فى اسم الضالة، وقد شدد رسول الله فى أخذ كل ما يرجى أن يصل إلى صاحبه، فمن أخذ شيئًا من ذلك فى غير الفيافى فهو كاللقطة، ومن أخذ شيئًا مجمعًا على أخذه ثم أرسله فهو له ضامن، إلا أن يأخذه غير مجمع على أخذه مثل‏:‏ أن يمر رجل فى آخر الركب أو آخر الرفقة فيجد شيئًا ساقطًا، فيأخذه وينادى من أمامه‏:‏ لكم هذا‏؟‏ فيقال له‏:‏ لا ثم يخليه فى مكانة فلا شىء عليه فيه‏.‏

فهذا قول مالك‏.‏

قال غيره‏:‏ وأما إن وجد عرضًا فأخذه وعرفه فلم يجد صاحبه، فلا يجوز له رده إلى الموضع الذى وجده فيه، فإن فعل وتلف ضمنه لصاحبه‏.‏

وذكر ابن المنذر عن الشافعى إن أخذ بعيرًا ضالا ثم أرسله فتلف فعليه الضمان‏.‏

باب ضَالَّةِ الْغَنَمِ

- وفيه‏:‏ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ، سُئِلَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ اللُّقَطَةِ فَقَالَ‏:‏ ‏(‏اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً‏)‏- يَقُولُ يَزِيدُ‏:‏ إِنْ لَمْ تُعْرَفِ اسْتَنْفَقَ بِهَا صَاحِبُهَا، وَكَانَتْ وَدِيعَةً عِنْدَهُ‏.‏

قَالَ يَحْيَى بن سعيدٍ‏:‏ فَهَذَا الَّذِى لاَ أَدْرِى أَفِى حَدِيثِ النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم هُوَ، أَمْ شَىْءٌ مِنْ عِنْدِهِ- ثُمَّ قَالَ‏:‏ كَيْفَ تَرَى فِى ضَالَّةِ الْغَنَمِ‏؟‏ قَالَ النَّبىُّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏خُذْهَا، فَإِنَّمَا هِىَ لَكَ، أَوْ لأَخِيكَ، أَوْ لِلذِّئْبِ‏)‏- قَالَ يَزِيدُ‏:‏ وَهِىَ تُعَرَّفُ أَيْضًا-‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ الحديث‏.‏

اختلف العلماء فى ضالة الغنم، فقال ابن المنذر‏:‏ روينا عن عائشة أنها منعت من ضالة الغنم ومن ذبحها‏.‏

وقال الليث‏:‏ لا أحب أن تعرف ضالة الغنم إلا أن يحرزها لصاحبها‏.‏

وقال أبو حنيفة والشافعى‏:‏ إن أكلها فعليه الضمان إذا جاء صاحبها‏.‏

وهو قول عبد العزيز بن أبى سلمة وسحنون‏.‏

وقال مالك‏:‏ ومن وجد شاة فى أرض فلاة وخاف عليها فهو مخير فى تركها أو أكلها، ولا ضمان عليه‏.‏

والحجة لمالك أن النبى أذن فى أكل الشاة، وأقام الذى وجدها مقام ربها وقال‏:‏ ‏(‏لك أو لأخيك أو للذئب‏)‏ فإذا أكلها بإذن النبى لم يجز أن يغرم فى حال ثان إلا بحجة من كتاب أو سنة أو إجماع‏.‏

قالوا‏:‏ وهذا أصل فى كل ما يوجد من الطعام الذى لا يبقى ويسرع إليه الفساد، فلمن وجده أكله إذا لم يمكنه تعريفه ولا يضمنه لأنه فى معنى الشاة، والشاة فى حكم المباح الذى لا قيمة له، ألا ترى أن النبى- عليه السلام- وجد تمرة فقال‏:‏ ‏(‏لولا أنى أخشى أن تكون من الصدقة لأكلتها‏)‏ فإنما نبه أنه يجوز أكلها من ملك الغير لو لم تكن من الصدقة؛ لأنها فى معنى التافه، فكذلك الشاة فى الفلاة لا قيمة لها‏.‏

واحتج الطحاوى للكوفيين فقال‏:‏ ليس قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏هى لك أو لأخيك أو للذئب‏)‏ على معنى التمليك، كما أنه إذا قال‏:‏ أو للذئب لم يرد به التمليك لأن الذئب لا يملك وإنما يأكلها على ملك صاحبها، فينزل على أجر مصيبها، فكذلك الواجد إن أكلها، أكلها على ملك صاحبها فإن جاء ضمنها له‏.‏

قالوا‏:‏ وقد روى ابن وهب عن عمرو بن الحارث، وهشام بن سعيد، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده ‏(‏أن رجلا أتى النبى- عليه السلام- فقال‏:‏ يا رسول الله كيف ترى فى ضالة الغنم‏؟‏ قال‏:‏ طعام مأكول لك أو لأخيك أو للذئب، فاحبس على أخيك ضالته‏)‏‏.‏

فهذا دليل على أن الشاة على ملك صاحبها‏.‏

وأجمع العلماء أن صاحبها لو جاء قبل أن يأكلها الواجد لها أخذها منه، وكذلك لو ذبحها أخذها منه مذبوحة، وكذلك لو أكل بعضها أخذ ما وجد منها، فدل على أنا على ملك صاحبها فى الفلوات وغيرها، ولا يزول ملكه عنها إلا بإجماع، ولا فرق بين قوله فى الشاة‏:‏ ‏(‏هى لك أو لأخيك أو للذئب‏)‏ وبين قوله فى اللقطة‏:‏ ‏(‏فشأنك بها‏)‏ بل هذا أشبه بالتمليك؛ لأنه لم يشرك معه فى لفظ التمليك ذئبًا ولا غيره‏.‏

باب إِذَا لَمْ يُوجَدْ صَاحِبُ اللُّقَطَةِ بَعْدَ سَنَةٍ فَهِىَ لِمَنْ وَجَدَهَا

- فيه‏:‏ زَيْد، سُأل رجل النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم عَنِ اللُّقَطَةِ، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا، وَإِلاَ فَشَأْنَكَ بِهَا‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ الحديث‏.‏

وأجمع أئمة الفتوى على أن اللقطة إذا عرفها سنة وانتفع بها وأنفقها بعد السنة ثم جاء صاحبها أنه يرد عليها قيمتها ويضمنها له، وليس قوله‏:‏ ‏(‏فشأنك بها‏)‏ يبيح له أخذها ويسقط عنه ضمانها؛ لما ثبت عنه عليه السلام فى اللقطة‏:‏ ‏(‏فإن جاء صاحبها بعد السنة أدها إليه؛ لأنها وديعة عند ملتقطها‏)‏ وسيأتى تمام القول فى ذلك فى بابه- إن شاء الله- وخرق الإجماع رجل نُسب إلى العلم يعرف بداود بن على، فقال‏:‏ إذا جاء صاحبها بعد السنة لم يضمنها ملتقطها؛ لأن النبى- عليه السلام- أطلقه على ملكها بقوله‏:‏ ‏(‏فشأنك بها‏)‏ فلا ضمان عليه، ولا سلف له فى ذلك إلا اتباع الهوى والجرأة على مخالفة الجماعة التى لا يجوز عليها تحريف التأويل ولا الخطأ فيه، أعاذنا الله من اتباع والابتداع فى دينه مما لم يأذن فيه عز وجل‏.‏

باب إِذَا وَجَدَ خَشَبَةً فِى الْبَحْرِ أَوْ سَوْطًا أَوْ نَحْوَهُ

- فيه‏:‏ أَبُو هُرَيْرَةَ، أن النَّبِىّ عليه السَّلام ذَكَرَ رَجُلاً مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

وَسَاقَ الْحَدِيثَ، فَخَرَجَ يَنْظُرُ لَعَلَّ مَرْكَبًا قَدْ جَاءَ بِمَالِهِ، فَإِذَا هُوَ بِالْخَشَبَةِ فَأَخَذَهَا لأَهْلِهِ حَطَبًا، فَلَمَّا نَشَرَهَا، وَجَدَ الْمَالَ وَالصَّحِيفَةَ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ الحديث‏.‏

هذه الخشبة حكمها حكم اللقطة، قال المهلب‏:‏ وإنما أخذها حطبًا لأهله؛ لأنه قوى عنده انقطاعها عن صاحبها لغلبة العطب على صاحبها وانكسار سفينته، وروى ابن عبد الحكم عن مالك أنه قال‏:‏ إذا ألقى البحر خشبة فتركها أفضل‏.‏

وقال ابن شعبان‏:‏ فيها قول آخر‏:‏ إن وجدها يأخذها، فمتى جاء ربها غرم له قيمتها‏.‏

واختلف العلماء فيما يفعل باللقطة اليسيرة، فرخصت طائفة فى أخذها والانتفاع بها وترك تعريفها، وممن روى ذلك عنه‏:‏ عمر بن الخطاب، وعلى بن أبى طالب، وابن عمر، وعائشة، وهو قول عطاء والنخعى وطاوس‏.‏

قال ابن المنذر‏:‏ روينا عن عائشة فى اللقطة لا بأس بما دون الدرهم أن يستمع به، وعن جابر بن عبد الله قال‏:‏ كانوا يرخصون فى السوط والحبل ونحوه إذا وجده الرجل ولم يعرف صاحبه أن ينتفع به، وقال عطاء‏:‏ لا بأس للمسافر إذ وجد السوط والسقاء والنعلين أن يستمتع به وحديث الخشبة الحجة لهذه المقالة، لأن النبى أخبر أنه أخذها حطبًا لأهله، ولم يأخذها ليعرفها، وأقر النبى- عليه السلام- ذلك، ولم يذكر أنه فعل ما لا ينبغى له‏.‏

وأوجبت طائفة تعريف قليل اللقطة وكثيرها حولا إلا ما لا قيمة له‏.‏

قال ابن المنذر‏:‏ روينا ذلك عن أبى هريرة أنه قال فى لقطة الحبل والزمام ونحوه‏:‏ عرفه فإن وجدت صاحبه رددته عليه إلا استمتعت به‏.‏

وهو قول مالك والشافعى وأحمد ابن حنبل‏.‏

قال مالك‏:‏ من وجد لقطة دينارًا أو درهمًا أو أقل من ذلك فليعرفه سنة إلا الشىء اليسير مثل‏:‏ القرص، أو الفلس، أو الجوزة، أو نحو ذلك فإنه يتصدق به من يومه، ولا أرى أن يأكله، ولا يأكل التمرات والكسرة إلا المحتاج، وأما النعلان والسوط وشبه ذلك فإنه يعرفه، فإن لم يجد له صاحبًا تصدق به، فإن جاء صاحبه غرمه‏.‏

وهو قول الكوفيين إلا فى مدة التعريف فإنهم قالوا‏:‏ ما كان عشرة دراهم فصاعداُ عرفه حولا، وما كان دون ذلك عرفه بقدر ما يراه‏.‏

وقال الثورى‏:‏ تعرف الدراهم أربعة أيام‏.‏

وقال أحمد‏:‏ يعرفه سنة‏.‏

وقال إسحاق‏:‏ ما دون الدينار يعرفه جمعة أو نحوها‏.‏

وحجة هذه المقالة قوله عليه السلام فى اللقطة‏:‏ ‏(‏اعرف عفاصها ووكاءها‏)‏، ولم يخص قليل اللقطة من كثيرها، فيجب على ظاهر حديث زيد بن خالد أن يستوى حكم قليلها وكثيرها فى ذلك‏.‏

قال ابن المنذر‏:‏ ولا أعلم شيئًا استثنى من جملة هذا الخبر إلا التمرة التى منعه من أكلها خشية أن تكون من الصدقة، فما له بقاء مما زاد على التمرة وله قيمة يجب تعريفه‏.‏

واختلفوا فيما لا يبقى إلى مدة التعريف، فقال مالك‏:‏ يتصدق به أحب إلى‏.‏

قيل لابن القاسم‏:‏ فإن أكله أو تصدق به وأتى صاحبه‏؟‏ قال‏:‏ لا يضمنه فى قياس قول مالك على الشاة يجدها فى فيافى الأرض‏.‏

وفى قول الكوفيين‏:‏ ما لا يبقى إذا أتى عليه يومان أو يوم وفسد، قالوا‏:‏ يعرفه فإن خاف فسادة تصدق به، فإن جاء ربه ضمنه‏.‏

وهو قول الشافعى، وحجتهم أن ما كان له رب فلا يملكه عليه أحد إلا بتملكه إياه قل أو كثر‏.‏

باب إِذَا وَجَدَ تَمْرَةً فِى الطَّرِيقِ

- فيه‏:‏ أَنَس، مَرَّ النَّبِىُّ عليه السَّلام بِتَمْرَةٍ فِى الطَّرِيقِ، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏لَوْلاَ أَنِّى أَخَافُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الصَّدَقَةِ لأَكَلْتُهَا‏)‏‏.‏

- وفيه‏:‏ أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ النَّبِىّ، عليه السَّلام‏:‏ ‏(‏إِنِّى لأَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِى، فَأَجِدُ التَّمْرَةَ سَاقِطَةً عَلَى فِرَاشِى، فَأَرْفَعُهَا لآكُلَهَا، ثُمَّ أَخْشَى أَنْ تَكُونَ صَدَقَةً فَأُلْقِيهَا‏)‏‏.‏

أما ما لا بال له ولا يتشاح الناس فيه ولا يطلبونه كالتمرة والجوزة والتينة والعنابة والحبة من الفضة وشبه ذلك، فلا يلزم فى شىء منه تعريف؛ لجواز أكله عليه السلام للتمرة الساقطة لو لم تكن من الصدقة المحرم عليه قليلها وكثيرها‏.‏

فدل هذا الحديث على إباحة الشىء التافه الملتقط، وأنه معفو عنه وخارج من حكم اللقطة؛ لأن صاحبه لا يطلبه، فلذلك استحل النبى- عليه السلام- أكل التمرة لولا شبهة الصدقة، وقد روى عبد الرزاق أن على بن أبى طالب التقط حبة أو حبتين من رمان من الأرض فأكلها، وعن ابن عمر أنه وجد تمرة فى الطريق فأخذها فأكلها نصفها، ثم لقيه مسكين فأعطاه النصف الآخر‏.‏

باب كَيْفَ تُعَرَّفُ لُقَطَةُ أَهْلِ مَكَّةَ‏؟‏

وَقَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِىِّ عليه السلام‏:‏ ‏(‏لاَ يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهَا إِلاَ مَنْ عَرَّفَهَا‏)‏‏.‏

وقال مرة‏:‏ عَنْ النَّبىِّ‏:‏ ‏(‏لاَ تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إِلاَ لِمُنْشِدٍ‏)‏‏.‏

- وفيه‏:‏ أَبُو هُرَيْرَةَ، لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ قَامَ فِى النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ ‏(‏إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ، وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّهَا لاَ تَحِلُّ لأَحَدٍ كَانَ قَبْلِى، وَإِنَّهَا أُحِلَّتْ لِى سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَإِنَّهَا لاَ تَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدِى، وَلاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلاَ يُخْتَلَى شَوْكُهَا، وَلاَ تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إِلاَ لِمُنْشِدٍ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ الحديث‏.‏

اختلف العلماء فى لقطة مكة، فقالت طائفة‏:‏ حكم لقطتها كحكم لقطة سائر البلدان‏.‏

قال ابن المنذر‏:‏ روينا هذا القول عن عمر وابن عباس وعائشة وسعيد بن المسيب، وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل‏.‏

وقالت طائفة‏:‏ إن لقطتها لا تحل البتة، وليس لواجدها إلا إنشادها‏.‏

هذا قول الشافعى وابن مهدى و أبى عبيد، قال ابن مهدى‏:‏ معنى قوله‏:‏ ‏(‏لا تحل لقطتها‏)‏، كأنه يريد البتة، فقيل له‏:‏ إلا لمنشد‏؟‏ فقال‏:‏ إلا لمنشد، وهو يريد المعنى الأول، كما يقول الرجل‏:‏ والله لأفعلن كذا وكذا، ثم يقول‏:‏ إن شاء الله، وهو لا يريد الرجوع عن يمينه، ولكنه لقن شيئًا فلقنه فمعناه‏:‏ أنه ليس يحل له منها إلا إنشادها، فأما الانتفاع بها فلا يجوز‏.‏

وفيها قول ثالث‏:‏ قال جرير بن عبد الله الحميدى قوله‏:‏ ‏(‏إلا لمنشد‏)‏، يعنى‏:‏ إلا من سمع ناشدًا يقول‏:‏ من أصاب كذا، فحينئذ يجوز للملتقط أن يرفعها إذا رآها، لكى يردها على صاحبها، ومال إسحاق بن راهويه إلى هذا القول، وقاله النضر بن شميل‏.‏

وفيها قول رابع‏:‏ يعنى‏:‏ لا تحل لربها الذى يطلبها‏.‏

قال أبو عبيد هو جيد فى المعنى ولكن لا يجوز فى العربية أن يقال للطالب‏:‏ منشدًا إنما المنشد المعرف، والطالب هو الناشد، يدل على ذلك أن الرسول سمع رجلا ينشد ضالة فى المسجد فقال‏:‏ ‏(‏أيها الناشد غيرك الواجد‏)‏، قال أبو عبيد‏:‏ وليس للحديث وجه إلا ما قاله ابن مهدى‏.‏

قال المؤلف‏:‏ و لو كان حكم لقطة مكة حكم غيرها؛ ما كان لقوله‏:‏ ‏(‏لا تحل لقطتها إلا لمنشد‏)‏، معنى تختص به مكة كما تختص بسائر ما وكد فى هذا الحديث؛ لأن لقطة غيرها كذلك يحل لمنشدها بعد الحول الانتفاع بها، فدل مساق هذا الحديث كله على تخصيص مكة ومخالفة لقطتها لغيرها من البلدان، كما خالفتها فى كل ما ذكر فى الحديث من أنها حرام لا تحل لأحد ساعة من نهار بعد النبى- عليه السلام- وأنه لا ينفر صيدها، ولا يختلى خلاها وغير ذلك مما خصت به من أنه لم يستبح دماءهم ولا أموالهم، ولا جرى فيهم الرق كغيرهم‏.‏

ومن الحجة أيضًا لذلك أن الملتقط إنما يتملك اللقطة فى غير مكة بعد الحول، حفظًا لها على ربها وحرزًا لها؛ لأنه لا يقدر على إيصالها إليه ويخشى تلفها، فيتملكها وتتعلق قيمتها بذمته، ولقطة مكة يمكن إيصالها إلى ربها، لأنه إن كان من أهل مكة فإن معرفته تقرب، وإن كان غريبًا لا يقيم بها فإنه يعود إليها بنفسه أو يقدر على من يسير إلى مكة من أهل بلده فيتعرف له ذلك؛ لأنها تقصد فى كل عام من أقطار الأرض، فإذا كانت اللقطة فيها معرضة للإنشاد أبدًا أو شك أن يجدها باغيها ويصل إليها ربها، فهذا الفرق بين مكة وسائر البلاد‏.‏

باب لاَ تُحْتَلَبُ مَاشِيَةُ أَحَدٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِ

- فيه‏:‏ ابْن عُمَرَ، أَنَّ النَّبِىّ عليه السَّلام قَالَ‏:‏ ‏(‏لاَ يَحْلُبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ امْرِئٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تُؤْتَى مَشْرُبَتُهُ فَتُكْسَرَ خِزَانَتُهُ، فَيُنْتَقَلَ طَعَامُهُ، فَإِنَّمَا تَخْزُنُ لَهُمْ ضُرُوعُ مَوَاشِيهِمْ أَطْعِمَاتِهِمْ، فَلاَ يَحْلُبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إِلاَ بِإِذْنِهِ‏)‏‏.‏

قال‏:‏ أجمع العلماء أنه لا يجوز كسر قفل مسلم ولا ذمى، ولا أخذ شىء من ماله بغير إذنه، وشبه رسول الله اللبن فى الضرع بالطعام المخزون تحت الأقفال، وهذا هو قياس الأشياء على نظائرها وأشباهها، أرانا رسول الله بهذا المثل قياس الأمور إذا تشابهت معانيها، فوجب امتثال ذلك واستعماله خلافًا لقوله من أبطل القياس‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته فتكسر خزانته‏)‏ فمعناه‏:‏ أن يكره المسلم لأخيه المسلم ما يكرهه لنفسه، وهذا فى معنى قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب عن نفس منه‏)‏‏.‏

وأكثر العلماء يجيز أكل مال الصديق إذا كان تافهًا لا يتشاح فى مثله، وإن كان ذلك بغير إذنه ما لم يكن تحت قفله، وقال أبو عبد الله ابن أبى صفرة‏:‏ وهذا الحديث لا يعارض حديث الهجرة حين قال أبو بكر للراعى‏:‏ ‏(‏لمن أنت‏؟‏ قال‏:‏ لرجل من قريش، قال‏:‏ هل أنت حالب لنا‏؟‏‏)‏ لأن حديث الهجرة فى زمن المكارمة، وهذا الحديث فى زمن التشاح لما علم عليه السلام أنه سيكون من تغير الأحوال بعده‏.‏

قال المهلب‏:‏ مع أن قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏لا يحلبن أحد ماشية أحد بغير إذنه‏)‏، نهى عن التسور و الاحتلاب، وحديث الهجرة لم يتسور النبى- عليه لاسلام- ولا أبو بكر، وإنما سأل أبو بكر الراعى وقال له‏:‏ هل أنت حالب لنا‏؟‏ والراعى فى المال له عادة العرب من الحلب فلذلك أجاز النبى- عليه السلام- شرب ما حلب الراعى، وكذلك عادة العرب فى الحلب على الماء ولابن السبيل مباحة له، وكل مسترعى له مثل ذلك فى الذى استرعى، كالمرأة فى بيت زوجها تعطى اللقمة من ماله والتمرات و كف الطعام فقال عليه السلام‏:‏ ‏(‏إنها أحد المتصدقين‏)‏‏.‏

وقال أشهب‏:‏ خرجنا مرابطين إلى الإسكندرية فمررنا بجنان الليث بن سعد، فأكلنا من التمر، فلما رجعت دعتنى نفسى أن أستحل ذلك من الليث بن سعد، فدخلت إليه، فأخبرته بذلك، فقال لى‏:‏ يا ابن أخى، لقد نسكت نسكًا أعجميًا، أما سمعت الله يقول‏:‏ ‏(‏أو صديقكم ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعًا أو أشتاتا ‏(‏فلا بأس أن يأكل الرجل من مال أخيه الشىء التافه ليسره بذلك‏.‏

وروى ابن وهب عن مالك فى الرجل يدخل الحائط فيجد الثمر ساقطًا، قال‏:‏ لا تأكل منه إلا أن تعلم أن صاحب الحائط طيب النفس به، أو يكون محتاجًا إلى ذلك فأرجو ألا يكون به بأس‏.‏

باب إِذَا جَاءَ صَاحِبُ اللُّقَطَةِ بَعْدَ سَنَةٍ رَدَّهَا عَلَيْهِ لأَنَّهَا وَدِيعَةٌ عِنْدَهُ

- فيه‏:‏ زَيْد، أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم عَنِ اللُّقَطَةِ، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏عَرِّفْهَا سَنَةً، ثُمَّ اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا، ثُمَّ اسْتَنْفِقْ بِهَا، فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏، الحديث‏.‏

أجمع أئمة الفتوى على أن صاحب اللقطة إذا جاء بعد الحول أن الذى وجدها يلزمه ردها إليه؛ لقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏فإن جاء صاحبها فأدها إليه‏)‏ وقد ذكرنا قبل هذا أن بعض من نسب إلى العلم وحظه من أن يوسم بمخالفة الأئمة خالف إجماعهم فى اتباع هذا الحديث، وخالف قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏فأدها إليه‏)‏ وقال‏:‏ لا يؤدى إليه شيئًا بعد الحول استدلالا منه بقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏فشأنك بها‏)‏، قال‏:‏ لأن هذا إطلاق منه عليه السلام على ملكها فلا يلزمه تأديتها‏.‏

وهذا قول يؤدى إلى تناقض السنن، وقد جل الرسول عن أن يتناقض‏.‏

وقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏فأدها إليه‏)‏ فيه بيان وتفسير لقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏فشأنك بها‏)‏ ولو كان المراد بقوله‏:‏ ‏(‏فشأنك بها ‏(‏إطلاق يده عليها، وسقوط ضمانها عنه؛ لبطلت فائدة قوله‏:‏ ‏(‏فأدها إليه ‏(‏واستعمال الحديثين لفائدتين أولى من إسقاط أحدهما، هذه طريقة العلماء فى التأليف بين الآثار، و القضاء بالمجمل على المفسر‏.‏

واختلفوا هل للواجد بعد الحول أن يأكلها أو يتصدق بها فروى عن على وابن عباس أنه يتصدق بها ولا يأكلها، وهو قول سعيد بن المسيب والحسن والشعبى، وإليه ذهب الثورى، وقال أبو حنيفة‏:‏ لا يأكلها الغنى، إلا أن يكون فقيرًا فيأكلها، ثم إن جاء صاحبها ضمنها، وروى ابن القاسم عن مالك انه استحب له أن يتصدق بها وروى عنه ابن وهب أنه إن شاء أمسكها، وإن شاء استنفقها، وإن شاء تصدق بها، فإن جاء صاحبها أداها إليه‏.‏

وروى مثل هذا عن عمر وابن مسعود وابن عمر وعائشة، وهو قول عطاء، وبه قال الشافعى وأحمد وإسحاق‏.‏

وقوله عليه السلام- بعد الحول-‏:‏ ‏(‏ثم استنفق بها‏)‏ حجة لمن قال‏:‏ يصنع ما شاء من صدقة بها، أو أكل، أو غيره لعموم قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏استنفق بها‏)‏ ولم يخص وجهًا يستنفقها فيه من غيره، وأيضًا فإنه عليه السلام لما قال‏:‏ ‏(‏استنفق بها‏)‏ و لم يفرق بين الغنى والفقير دل على قول أبى حنيفة‏.‏

وإنما لم يذكر البخارى فى هذا الباب رواية سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد أنه قال‏:‏ و كانت وديعة عنده‏.‏

ذوذكرها فى باب ضالة الغنم؛ لأنه قد بين سليمان فى الحديث أن يحيى بن سعيد قال‏:‏ عن يزيد قال‏:‏ لا أدرى أفى حديث النبى - عليه السلام- هو أم من عنده‏.‏

فاستراب البخارى بهذا الشك، وترجم بالمعنى ولم يذكره فى الحديث؛ لأنه استغنى بقوله‏:‏ ‏(‏فأدها إليه‏)‏ عن قوله‏:‏ ‏(‏و كانت وديعة عنده‏)‏‏.‏